Saturday, December 12, 2009

لا تبك مثل النساء..


أنا الآن في الطائرة التي سوف تقلني ثانية إلي القاهرة..

منذ ستمائة عام.. عاد مركب صغير يحمل رجلا و مرأة .. وبعض أهلهما.. أما الرجل فكان أبو عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس.. والمرأة هي أمه.. وحينما نظر أبو عبد الله من سفينته إلي مجد آباءه و قد تغلّب عليه فرديناند و إيزابيلا.. ذرفت عيناه بدموع حارقة..

فما كان من أمّه إلا أن قالت له بضع كلمات .. هي ألف سوط من العذاب إن قيست بمقياس العذاب.. قالت:

ابك مثل النساء ملكا مُضاعا

لم تحافظ عليه مثل الرجال

تذكرت هذا الأمر وأنا عائد من الأندلس.. وساءلت نفسي : هل لابد أن نبكي الآن علي هذه الأرض الحبيبة السليبة..

فكان أن خففت من وجدي ببعض الأفكار..

أقول.. إننا لا ينبغي أن نبكي الآن مثل النساء..

إذ أن الرجال تعنيهم العبرة.. وإن أخذنا عبرتنا من الأندلس, واستشرفنا في ضوءها حاضرنا و مستقبلنا.. لن تكون الأندلس قد ضاعت و إنما بقيت..

لئن جهدنا جهدنا في إيصال رسالة الإسلام و أنوار محمد إلي قلوب أهل أسبانيا و العالم من وراءها.. فلن تكن الأندلس قد ضاعت.. وإنما نكون زرعنا أندلسا في كل قلب..

وما كان ينفعنا كثير نفعٍ إن ظلت الأندلس مثلما ظلت بقية أوطاننا ولم نؤدي من خلالها مهمتنا الحضارية و رسالتنا الدينية ..

لقد بقيت الأندلس بعلمائها وتراثها و ثقافتها و آدابها لنتعلم من ذلك كله دروسا.. إن تعلمناها فلن نحتاج إلي دموع أبي عبد الله الصغير.. وإن لم نتعلمها فلن تنفعنا دموعه..

انتهت الرحلة

وانتهي بذلك دور هذه المدونة..

والسلام عليكم

ولا غالب إلا الله..

أنا الآن في تل البيازين.. والذي يشرف علي معجزة الزمان.. القصبة الحمراء و قصرها..

المكان هنا مذهل .. يجتمع في منظر واحد شجر أخضر و جليد أبيض و ماء أزرق و سحاب .. ويزينه بناء الحمراء الشامخ الماجد..

وبدأت أتأمل هذه الجملة التي كتبها بني الأحمر ملوك غرناطة علي كل جدار من جدران الحمراء .. "ولا غالب إلا الله"

هذه الجملة علي قلة مبناها اللفظي تحمل عوالمَ من الأفكار و الأسرار..

هي عزاء للمهزوم .. تخبره أن الأمر مهما دار في هذه الأرض فإن الأمر لله من قبل و من بعد .. و أن قضاء الله نافذ و أمره كائن.. و أن الله هو الغالب علي الحقيقة.. وكل شيء بقدرٍ ووقت معلوم.. ولا غالب إلا الله..

وهي تربية للمنتصر.. تهدّي من كبريائه و تخبره أن كل نعمة فإن مردّها إلي الله عز وجل.. وأن الأعمال مهما عَظُمَت .. فإنها صورٌ قائمة غير ذات قدرة علي التأثير .. وأن الله خالق كل شيء هو من دبّر الأمر.. وما رميت إذ رميت و لكن الله رمي.. ولا غالب إلا الله..

وهي أمان للضعيف.. تخبره أن البطش و الظلم أمده قصير.. و هو شرٌ محض ولكنه يحمل الخير بين طيّاته.. فالله لا يجمع لعبده خوفين و لا أمنين.. وأن الدنيا ساعة.. والظلم ظلمات .. ولا غالب إلا الله..

وهي فيضٌ للزهاد.. تحمل كثيرا من معاني مدرسة التزكية الإسلامية.. تعلم المريد أن العيش لا يكون إلا بالله و لله وإتكالا علي الله.. فلا معين إلا الله.. و لا مُعتمد إلا الله.. ولا غالب إلا الله..

وهي إلهام للفنان.. تجعله يبتكر و يرسم و يجمّل.. فهو لا يبني ملكا لملك.. ولا يحفر اسما لامبراطور.. وإنما يبني صروح المجد و آيات الجمال .. تسبح باسم الله عز وجل.. وتذكر سكّان القصور في كل حين أن إلي ربك الرجعي.. ولا غالب إلا الله

وهي تذكرة لنا علي بعد الزمان بيننا وبينهم.. تخبرنا أن ما مضي من ضياع لهذه الأرض.. لن يمحو ما بُثّ فيها من الدين.. وأن الأمر لله من قبل و من بعد.. وأن الفرصة لا تزال سانحة.. وأنه في الوقت متسع.. ولا غالب إلا الله


مشاهدات أوروبية..


بعض هذه المشاهد استوقفتني في هذه الرحلة..

(1)

أول مشهد رأيته في مطار أمستردام عندما خرجت كان مكتبة صغيرة لبيع الكتب.. ثم كان بعد ذلك أني رأيت المكتبات في كل مكان.. فلا تخلو شوارع أربعة من مكتبة .. وما تعجبت منه أنه في بعض هذه المكتبات, هناك طابور من الناس ينتظرون دورهم في شراء الكتب..

(2)

وهي مشاهدة متصلة بسابقتها.. إنها في المترو و الحافلات المخصصة للمواصلات.. ما أن تتحرك الحافلة حتي تجد ثلاث أرباع الجالسين قد أخرجوا كتبا و بدأوا يقرأون..

(3)

رجلٌ طاعنٌ في السن يزيد علي الثمانين عاما.. يلبس ملابس الرياضة كاملة.. من البنطلون إلي الخوذة.. ويجري حول حديقة عامة و في يده يحمل زجاجة من عصير البرتقال..

(4)

ساحة عامة في مدينة غرناطة.. تمتلأ بالألعاب التي تناسب الكبار و الأطفال.. ألعاب للتسلية و أخري للذكاء.. والناس جميعا يلعبون و البسمة تعلو وجوههم.. ويهنئون بعضهم بعضا و يتمازحون بغير أن يعرف أحدهم الآخر.. والألعاب جميعها مجانية جاءت بها البلدية لتسعد الناس..

(5)

هذا مشهد يتكرر في كل شارع عشر مرات علي الأقل.. رجل يقبّل امرأته ويضمها إليه في الطريق..

(6)

لا يخلو ميدان عام من رجل يجلس و معه آلة موسيقية يعزف عليها باقتدار مدهش.. ثم يمر الناس يستمتعون بعزفه لبعض الوقت .. ويضعون له بعض المال في صندوق يضعه أمامه .. ويمضون

(7)

تفانين و أشكال بالضوء في كل الشوارع و الميادين العامة .. ويختلف شكل الضوء من شارع لآخر.. مبهرة حقا..

(7)

كانت السماء تمطر مطرا شديدا في شوارع أمستردام.. وأنا لا أحمل شمسية .. فما إن أمر علي رجل أو امرأة في الطريق حتي يبتسمون ويدخلونني بودٍ شديد تحت شمسيّاتهم لبعض الوقت.. إلي أن أبتسم لهم و أمضي..

(8)

تلك السيدة العجوز التي كانت تجري مع كلب لها في أحد الحدائق (وللحدائق العامة حديث ذو شجون).. المهم.. طلبنا منها أن تأخذ لنا صورة.. فابتسمت و أخذت لنا الصورة.. ثم قبل أن ترجع لنا الكاميرا نظرت حولها و تأمّلت المكان.. ثم طلبت منا أن نقف في مكان آخر.. وبودٍ شديد أخذت لنا صورة أخري.. وصورة ثالثة.. ثم مضت

(9)

استوقفنا البوليس في الطريق من قرطبة إلي غرناطة.. وأخبرنا أن علينا أن ندفع مخالفة كبيرة لأننا تجاوزنا السرعة القصوي.. وقد كان المبلغ المطلوب للمخالفة كبير حقا.. ولكن ما استوقفني هو الود الشديد و البسمة المستمرة من رجال الشرطة .. والذين حاولوا جاهدين أن يحدثوننا بالإنجليزية و إن كانوا لا يعرفونها إطلاقا..

تعليق:

إن طيب العيش و الحياة الرغدة الطيبة أمرٌ من الأهمية بمكان.. أن يشعر الإنسان بإنسانيته و أن يعيش حياة كريمة شيء جيد علي كل حال..

إن جميع المتدينين في بلادنا يظنون أن أهل أوروبا يعيشون تعساء بؤساء لأنهم لم يعرفوا الإسلام.. و هذا القول ليس حقا محضا و إن كان فيه بعض الحق..

أعلم أن الحياة المادية تقتل أرواح الناس في كل يوم.. و أن مؤسسة الأسرة قد انهارت في أوروبا.. و أن الشهوات قد اعتلت الحياة الأوروبية..

ولكنب كذلك رأيت أناسا يعيشون حياة طيبة كريمة .. يمرحون و يفرحون.. وإن كانوا ربما يفتقدون لمعني كبير أو لروح معينة يغرسها الإيمان في قلوب المؤمنين.. ولكنهم حياتهم ليست قاتمة و لا بائسة..

أظن أنه الإيمان شجرة باسقة الأوراق عظيمة الثمر.. ولكنها لكي تؤتي ثمرها.. لابد أنت تزرع في أرض صالحة..

أقصد أن حدا من الإنسانية و الحياة الكريمة مطلوب لكي يؤتي الإيمان ثمرته في حياة الناس.. وإلا فالتدين المنتشر في مصر من العام 1970

رحمك الله يا إقبال:

ما أجمل الدين و الدنيا إذا اجتمعا

وأقبح الكفر و الإفلاس بالرجل

رفقتا بتاريخنا..



أنا الآن في القصبة الحمراء.. القلعة العسكرية التي بناها بنو الأحمر ملوك غرناطة..

إن مملكة غرناطة التي فتحها طارق بن زياد في اسبوعين.. ظلت أربع ممالك صليبية تجهد نفسها أن تحتلها و ترسل إليها الجيش تلو الجيش لمدة مائتين و خمسين سنة فلا يستطيعون فتحها!!

وبعد ذلك نقول أن المسلمين قد ضيعوا الأندلس و تركوها..

لا و الله ما تركوها.. لقد جهدوا جهدهم.. وناضلوا و تحملوا ما لا تحتمله الجبال الرواسي.. ملوكا و شعوبا.. حكّاما و محكومين.. وإن كانوا قد هُزموا ولكنهم هزموا و هم علي جيادهم وصدورهم تجاه أعدائهم..

لقد دافع أجدادنا عن هذه الأرض حتي آخر رمق.. ثم ناضل الموريسكسون المسلمون بعد ذلك مائة وعشرين عاما بعد سقوط غرناطة .. كانوا يقتلون كل يوم فلا يردهم ذلك عن دينهم.. وظلوا علي دينهم ما بين ثورة و إسرار.. حتي تم طردهم نهائيا عام 1609.. وظلوا رجالا مؤمنين ما مسهم نصبٌ ولا وصب..

إن تاريخنا ليس تاريخ ملائكة.. وليس تاريخ شياطين.. ولكنه تاريخ بشرٍ بما للبشر من أطماع و أهواء.. هذبها الإسلام ولكن ظل الإنسان بين لمة الملك ولمة الشيطان.. نحن ظلمناهم حينما اعتبرناهم ملائكة.. وبخسناهم حينما جعلناهم شياطين..

حتي الفترات القاتمة من التاريخ لم تخلو من ومضات النور.. ففي جل ما كان ملوك الطوائف يحاربون بعضهم بعضا.. كان ازدهار العلوم و المدارس الإسلامية و الشعر الأندلس في أوجه.. وكان تنافسهم السياسي سببا في أنهم تنافسوا أيضا في العلوم و الآداب.. فقدموا لمسيرة الحضارة الإنسانية آلافا من الفلاسفة و المشايخ و العلماء و الأدباء..

في الوقت الذي استعان فيه ملك طليطلة المأمون بألفونسو السادس ليستقوي به علي المسلمين في أشبيلية.. كانت طليطلة, مملكته, قبلة الفلكيين في العالم.. وكانت منارة عالية يستطلع منها العوالم السماوية و يجتمع فيها كل من رام هذا الفنّ..

إن تاريخ أوروبا فيه من الخيانة و الظلم و التعذيب و العنف الديني و التعصب و اللامساواة ما تنوء به الجبال .. ومع ذلك فقد تصالحوا مع تاريخهم و مجّدوا ملوكهم..

حتي أمريكا التي لا تاريخ لها أصلا.. فقد تمثّلت في أناس ماتوا من مائتي سنة -و ما فعلوا إلا أن أبادوا شعبا و حلّوا مكانه- جدودا خالدين و سلفا مشرّفا..

ونحن كان لنا أجدادٌ أتاهم المجد يخفض هامته.. وقد نشروا الدين في قلوب الملايين من جاوا و أندونيسيا إلي فرنسا وأسبانيا.. وفعلوا ما عجب منه الزمان.. ثم نحن نبخس حقهم و نجهلهم.. ما نظن بأنفسنا نفعل إن كنا مكانهم.. وعانينا ما عانوا..

رحمهم الله وغفر لهم.. كانوا بشرا .. مخطئون أحيانا .. ولكنهم عظماء

Monday, December 7, 2009

سلاما يا قرطبة..


عزيزتي قرطبة..








قال شاعرنا القديم:

قفي قبل التفرّق يا ظعينة

نخبّرك اليقين و تخبرينا

وأنا الآن مسافر عنك وظاعن.. وكان لابد أبث إليك بعض شوقي وشكوتي..

اعذريني يا قرطبة.. يا صاحبة القلب الطيب.. إذ أتركك الآن كما تركناك من قبل.. وحيدة غريبة في هذه الأرض.. كل مدائننا تجتمع في المشرق.. دمشق والقاهرة وبغداد واسطنبول.. أما أنت فقدّر لك البين من زمن.. كطفلة حيل بينها وبين أهلها من صغر.. فنشأت بعيدا عنهم..

فكان أن ظن الجميع أنها ستكون علي غير أخلاق أهلها.. فأثبتِّ للجميع أن النبتة الصالحة تصلح في أي أرض..

فلم تكتفي أن تكوني كأخواتك في المشرق.. ولكن كنت من سعة الكرم أن أفضت علي أهل المشرق و المغرب علي السواء..

فكان منك أبا الوليد بن رشد..


رجل - كما وصفوه- مد يده اليسري فصافح أرسطو.. ومد يده اليمني فصافح رينان و ديكارت.. ولولا ابنك هذا يا قرطبة.. لم يكن لأوروبا فلسفة إذ منه عرفوها.. وبه فهموها..

وكان من أبناءك يا قرطبة.. الإمام أبو محمد علي بن حزم القرطبي الأندلسي..


بحر العلوم و المعارف.. كتب كتابه الخالد "طوق الحمامة" عن الحب و أحوال المحبين.. فكان أن حطت حمامته في قلوب كل من عرف الحب في كل زمن و في كل مكان.. وقضي حياته في سبيل العلم فكان من أكثر أهل الإسلام تصنيفا للكتب.. فكتب في الفقه و الطب و الأدب و اللغة و التاريخ والأنساب و الفلسفة و الشعر.. حتي قال:

مُناى من الدنيا علومٌ أبثّها

وأنشرها في كل باد وحاضر

دعاء إلـى القـرآن والسنن التـى

تنسى رجالٌ ذكرها في المحاضر

وعلي أرضك يا قرطبة.. جاء زرياب.. فعزفت الأندلس علي ألحانه .. وزاد في العود وترا خامسا.. ونقل من أرضك إلي أوروبا كلها أشياء لم تكن يعرفها أهل أوروبا.. كالصابون ومعجون الأسنان و مزيل العرق .. ففضت علي أوروبا بالعلم.. والفن.. و النظافة..

أبهرت الشعراء يا جميلة المدائن.. فتنافسوا في الغزل.. فمنهم من قال:

بأربع فاقت الأمصار قرطبة

منهن قنطرة الوادي وجامعها

هاتان ثنتان والزهراء ثالثة

والعلم أعظم شئ وهو رابعها

وآخر قال:

وليس في غيرها بالعيش منتفع

ولا تقوم بحق الأنس صهباء

وكيف لا يذهب الأبصار رونقها

وكل روض بها في الوشى صنعاء

أنهارها فضة ، والمسك تربتها

والخز روضتها والدر حصباء

وللهواء بها لطف يرق به

من لا يرق وتبدو منه أهواء

أين شوارعك يا قرطبة التي كانت من ألف عام مضاءة بالليل.. فكانت تشع بالنور الحسي و المعنوي .. في وقت كانت فيه لندن هي مجموعة الأكواخ الطينية المتسخة علي نهر التايمز..

أين حمّاماتك يا قرطبة .. التي كانت تزيد علي الألف.. حينما لم يكن في قصر فرساي في باريس حمّام واحد..

أين ناعورتك (الناعورة هي الساقية).. التي كانت تحمل الماء من النهر إلي كل بيت قرطبي ليهنأ بشبكة المياه من ألف عام.. ثم شبكة أخري للمجاري و الماء المستعمل

أين الجواري التي كن يمشين علي جسرك الجميل.. فيكسبن في كل عبور علي ذاك الجسر جمالا ووضاءة و رقة وعذوبة..

أين مسجدك العامر الذي كان واسطة العقد.. يمتلأ بالمسلمين ما بين عابد و داعٍ و معلّم و متعلم.. ويأسر العين بأقواسه.. لقد قلبوه كنيسة.. فسددوا الطعنة إلي قلبك يا قرطبة

أين نوافذ ذلك المسجد... أغلقوها جميعا زعما منهم أن الظلام يبعث علي الخشوع.. ولم يتعلموا منك أن المسجد لابد أن يملأه النور.. وهذا هو الفرق بيننا و بينهم يا قرطبة.. فرق بين النور زالظلام

وأين محرابه الجميل البهيّ.. الذي حوي مصحف عثمان بن عفان وقطرات دمه الشريف علي صفحاته.. ذلك الدم الذي بسببه قامت لبني أمية دولتهم و مُلكهم.. فحفظوه في محراب جامعك الذي بلغ فيه مجدهم ذروته..

أين مكتباتك التي بلغت سبعين مكتبة يا قرطبة.. في مكتبة واحدة منها فقط 400 ألف كتاب.. كانت تحوي علوم الشرق و الغرب و الأمس و اليوم..

أين القرطبي صاحب التفسير.. و أين الزهراوي الطبيب.. وابن عطية و الباجي و ابن عبد الب وأبو علي القالي وابن سيده و ابن هانئ الأندلسي.. بل أين ثربانتس .. أديبك العظيم .. وأين دون كيخوته..

ماذا أفادتك حضارة ألفونسو إلا أن جعلتك بعد ستمائة عام مدينة تعج بمطاعم الماكدونالدز.. وبفتيات الليل وأهل البغاء..

سامحينا يا قرطبة إذ تركناك وحيدة بعد أن عرفت المجد.. لقومٍ لم يعرفوا من أخلاقنا: "ارحموا عزيز قومٍ ذل"

إن النساء يا قرطبة كالمدائن.. فمنهنّ جميلة أصيلة كاسطنبول..أو مجنونة متجدّدة كبيروت.. أو عريقة صابرة كبغداد.. أو نورانية روحانية كالقدس..

أما أنا.. فلا أريد إلا امرأة مثلك يا قرطبة.. امرأة تختصر كل النساء.. كما اختصرتِ أنت كل المدائن..

سلاما .. يا قرطبة




أحب الجزائر..


أنا الآن في مطعم مغربي بقرطبة..

جائني نادل المطعم.. و أخذ منا طلبنا ثم سألنا عن بلدنا..

- نحن من مصر .. وأنت؟ من المغرب؟

- نعم.. (ثم سكت هنيهة).. من الجزائر.. (ومضي سريعا)


حينما عاد مرة أخري ليقدم لنا الطعام قلنا له:

- نريد منك أمرين.. أولا ثلاث أكواب من الشاي..

- وثانيا؟

- نريدك أن تعلم أنا نحب الجزائر..

- أكيد أكيد أخي .. نحن اخوة.. نحن أبناء لا إله إلا الله محمد رسول الله

- صحيح

ثم ذهب و عاد بعد فترة وقال:

- إن من فعل هذا هم من غير المثقفين.. موجودين في كل مكان.. لكن المثقفين لا يتأثرون بهذه الأشياء

- وأنت ماذا تعمل؟

- أنا هنا أحضر ماجيستير..

- ما شاء الله .. في أي تخصص؟

- في الهندسة الزراعية.. و أعمل في المطعم ليلا..

وحينما هممنا بالخروج.. طلب منا أن نتصور معا.. وأخذنا صورة .. ورحلنا


أنا أحب الجزائر.. و شعبها.. وأهلها.. وكل بلد يجمعنا به تاريخ ولغة ودين..


إن أوروبا التي حاربت بعضها البعض قرونا طوال.. ولا يجمع فيما بينها دين ولا لغة ولا ناريخ.. تتوحد

ونحن الذين نملك كل مقومات الوحدة.. نفترق..

يالسخرية القدر..

ما أشد ما نحتاج إلي أن نعي درس الوحدة من الأندلس.. التي ما ضيعها شيء مثلما ضيعها التفرق..


_____________


بعد أن كتبت هذه المدوّنة.. قابلت جزائري آخر يملك مطعما..وحينما علم أننا مصريين أصرّ أن يعزمنا علي طبق من البطاطس صنعه بنفسه.. وقال: نحن نعتذر عما فهل بعض الجزائريين.. هؤلاء أغبياء لا يمثلوننا..