Sunday, December 6, 2009

المرء قليل بنفسه..



أنا الآن في أحد المطاعم في مشارف قرطبة أنتظر الطعام..

رحمك الله يا بن الخطاب..

هكذا وردت قصته في الأثر:

عندما سأل عمر عن رجل فقام رجل آخر وشهد له بالخير.. فسأله عمر: هل أنت جاره الذي يعرف مخرجه ومدخله؟ قال: لا, قال: فهل صاحبته في السفر الذي يعرف به أخلاق المرء؟ قال: لا, قال: فهل عاملته بالدرهم والدينار لتعلم حرصه وأمانته؟ قال:لا, قال: فلعلك رأيته يرفع ويخفض في المسجد؟ قال: نعم, قال عمر: اذهب فإنك لم تعرفه!

لماذا ذكرت هذه القصة؟

أنا مسافر مع صديقين عزيزين ممن أشهد لهم بحسن التربية و دماثة الخلق.. وقد تبدّي مني في هذه الرحلة من رعونات النفس ما لم أكن أعلمه في نفسي.. من قطعٍ لحديث من يتحدث .. وسرعة في الغضب.. وجورٍ – عن غير قصدٍ ربما- علي حقوق الآخرين..

وهكذا النفس.. جِماع الشهوة و الغضب.. وأنا قد تركت لنفسي العنان فتمكّنت مني تلك الرعونة التي لم أكن لأكتشفها في نفسي لولا طول السفر مع هذه الصحبة..

فالمرء مرآة أخيه.. وهو قليل بنفسه كثير بإخوانه..

رحم اللهم سيدي الشافعي:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرّج هم و اكتساب معيشة
وعلم و آداب وصحبة ماجد

وأنا والحمد لله قد رزقت صحبة الأماجد في هذه الرحلة..

إن الشركات الكبيرة تستعين بشركات أخري للإستشارات.. لتحسن من أدائها الإداري و الفني و المالي.. لأن شركة أخري تنظر من الخارج تري في هذه الشركة من العيوب و من المواهب و الفرص.. ما لا تراه هذه الشركة ذاتها..

ما أحوجنا إلي مثل هذا..

فالإنسان لا يعرف نفسه حتي يختلط بصاحب شريف مخلص.. يريه من نفسه ما لا يراه منها.. فيكون بذلك قد أعانه أيُما عون.. فقد أرشده إلي ما فيه صلاح دنياه و آخرته..

وأنا قد أنعم الله علي بمثل هذا الصديق..الذي هو مرآة لصديقه.. ولما أرشدني إلي بعض ما يصلح شأني.. أخذتني العزة بالإثم.. واتبعت هواي..

وأنا أتوب إلي الله من هذا و أستعين به علي نفسي.. وأسأله أن لا يحرمني هذه الصحبة التي تنير لي الطريق..

وأن لا يحرمني الأُنس بهم.. ولُطف مودتهم.. بسوء خلقي.. وقُرب غضبي..

تذكرت هذا الدرس وأنا في الأندلس.. وأنا أظن أن من أكثر ما أضعف المسلمين في هذا البلد هو تمكن شهوات النفس ورعوناتها من قلوبهم.. فتحاربوا بينهم عربا وبربر.. ودب النزاع بين ملوك الطوائف.. ولو كانوا خلعوا عن نفوسهم حظوظ النفس و لمة الشيطان.. ربما كان للأندلس مصير آخر..

اللهم وحد صفنا.. وطهر قلوبنا يا ذا الجلال

No comments:

Post a Comment