أنا الآن في تل البيازين.. والذي يشرف علي معجزة الزمان.. القصبة الحمراء و قصرها..
المكان هنا مذهل .. يجتمع في منظر واحد شجر أخضر و جليد أبيض و ماء أزرق و سحاب .. ويزينه بناء الحمراء الشامخ الماجد..
وبدأت أتأمل هذه الجملة التي كتبها بني الأحمر ملوك غرناطة علي كل جدار من جدران الحمراء .. "ولا غالب إلا الله"
هذه الجملة علي قلة مبناها اللفظي تحمل عوالمَ من الأفكار و الأسرار..
هي عزاء للمهزوم .. تخبره أن الأمر مهما دار في هذه الأرض فإن الأمر لله من قبل و من بعد .. و أن قضاء الله نافذ و أمره كائن.. و أن الله هو الغالب علي الحقيقة.. وكل شيء بقدرٍ ووقت معلوم.. ولا غالب إلا الله..
وهي تربية للمنتصر.. تهدّي من كبريائه و تخبره أن كل نعمة فإن مردّها إلي الله عز وجل.. وأن الأعمال مهما عَظُمَت .. فإنها صورٌ قائمة غير ذات قدرة علي التأثير .. وأن الله خالق كل شيء هو من دبّر الأمر.. وما رميت إذ رميت و لكن الله رمي.. ولا غالب إلا الله..
وهي أمان للضعيف.. تخبره أن البطش و الظلم أمده قصير.. و هو شرٌ محض ولكنه يحمل الخير بين طيّاته.. فالله لا يجمع لعبده خوفين و لا أمنين.. وأن الدنيا ساعة.. والظلم ظلمات .. ولا غالب إلا الله..
وهي فيضٌ للزهاد.. تحمل كثيرا من معاني مدرسة التزكية الإسلامية.. تعلم المريد أن العيش لا يكون إلا بالله و لله وإتكالا علي الله.. فلا معين إلا الله.. و لا مُعتمد إلا الله.. ولا غالب إلا الله..
وهي إلهام للفنان.. تجعله يبتكر و يرسم و يجمّل.. فهو لا يبني ملكا لملك.. ولا يحفر اسما لامبراطور.. وإنما يبني صروح المجد و آيات الجمال .. تسبح باسم الله عز وجل.. وتذكر سكّان القصور في كل حين أن إلي ربك الرجعي.. ولا غالب إلا الله
وهي تذكرة لنا علي بعد الزمان بيننا وبينهم.. تخبرنا أن ما مضي من ضياع لهذه الأرض.. لن يمحو ما بُثّ فيها من الدين.. وأن الأمر لله من قبل و من بعد.. وأن الفرصة لا تزال سانحة.. وأنه في الوقت متسع.. ولا غالب إلا الله
ReplyDeleteذهبت دولة بني الأحمر بسقوط غرناطة، وذهبت جميع مملكات الطوائف بملوكها، وذهب السجانون، والمحققون، والجلادون، وذهب أعتى ملوك الإسبان الكاثوليك وظل شعار: "ولا غالب إلا الله" يستقطب الزوار والسائحين من كل بقاع العالم، دون أن يسأل أحد عن مكانه، يكفيه أن يدخل إسبانية الأندلسية ويرفع رأسه إلى أي معلم أو جدار خلّفه المسلمون، أو أن يجوب محلات الهدايا التذكارية، فلا تقع عينه على غيره.
الحياة غالب ومغلوب، نغلِبُ ونُغلب وأخيرا "لا غالب إلا الله".