Saturday, December 5, 2009

الجمال نوعان..

أنا الآن في اشبيلية.. أركب حافلتها المفتوحة السقف.. والتي تمر بك علي معالم المدينة الأساسية..
يا الله.. ما أحلي هذه المدينة.. وما أجمل قصرها العامر الذي بناه الموحدون في الأندلس..
أترككم مع بعض الصور .. ثم لي لفتة بعدها..










الجمال نوعان.. جمالٌ ظاهر و جمال باطن..
أما الظاهر فهو جمال الأشكال و الصور..و أما الباطن فهو جمال الحقائق و الماهيات.. وجمال الروح الباطن تحت الشيء..
الجمال الأول جمال ابهار.. و الثاني جمال اعتبار..
وكلا النوعين من الجمال موجودين في كل شيء يوصف بالجمال..

ففي النساء مثلا من وهبها الله حسن المنظر .. فهي جميلة تأسر بعينيها القلوب والألباب قبل أن تأسر النظر.. ومن النساء من لم يهبها الله جمالا ظاهرا..ولكن الله رزقها من حكمة العقل ورقّة الطبع وكمال الخلق و حسن العشرة ما يجعلها جميلة عند من لمس فيها هذا الجمال.. حتي لأنه يبلغ فرط جمال الباطن ما يجعل من يعرفها يجد فيها جمالا ظاهريا رائعا.. يتوهمه من فرط ما رأي من جمالها الذي لا يراه كل الناس..

وللأماكن كذلك نوعان من الجمال.. جمال ظاهر يراه الناس .. وجمال باطن يراه من ارتبطت نفسه بهذا المكان و جمعه به ذكريات تطيب بها نفسه.. وهل الجمال إلا ما تطيب به النفس.. فتجد البدوي يري في الصحراء القاحلة جمالا لا يراه غالب الناس.. لما لهذه الأرض من أثر و ذكري في نفسه.. فلربما احتقر جبال لبنان و قصور باريس إذا ما قارنها بتلك الصحراء.. لا لشيء إلا أن نفسه قد استبد بها جمال الباطن هذا..

وهكذا في كل شيء..

لماذا جاش في ذهني ذلك المعني في اشبيلية؟

إن من مدن الأندلس ما هو عربي خالص ليس للنصاري فيه شيء.. أما اشبيلية فقد بقي قصرها الكبير.. وأما مسجدها فقد هدم إلا مأذنته .. وبني مكانه كنيسة ضخمة..

وبين المساجد و الكنائس تري نوعي الجمال هذين..

فقد نشأت المساجد لتمثل مركز الحياة الإسلامية .. فهفت إليها قلوب المسلمين.. من فرط ما حوته المساجد من جمال الباطن.. ذلك الجمال النفسي الناشيء عن اتصال الإنسان بالخالق الذي اتصف بصفات الجمال و الكمال و الجلال.. وهذا الجمال الذي يعرفة الإنسان في حلق العلم حيث يأنس بفتوح المعارف الربانية..
في تلك المساجد اجتمع المسلمون يحتفلون بالنصر.. ويصلّون الأعياد.. ويجأرون إلي الله عند الجدب.. و يأوبوا إلي ربهم و يسلموا له عند الهزائم..
لذلك كان المسجد جميلا في عيون المسلمين..
فما من شيء كان أحب إلي أجدادنا من الصحب الكرام من أن يأنسوا إلي رسول الله في مسجد المدينة النبوية المشرّفة.. وما ذاك المسجد إلا ساحة يظللها زعف النخيل..
فلما أراد المسلمون أن يكسوا مساجدهم بجمال الظاهر.. كان تبعا لذلك الجمال الباطن.. فنظروا فيم يحتاجونه في المسجد.. فرأوا حاجتهم إلي المنبر إذ عليه تخطب الجمع و تعظم شعائر الدين.. فعظّموه و رفعوه و بالغوا في بناءه و ارتفاعه وزخرفه.. واحتاجوا إلي الميضئة فبنوها و جمّلوها و وضعوا فيها الماء الجاري.. واحتاجوا إلي الساحات المفتوحة فقسموا المسجد إلي صحن مفتوح و مُصلّي مغلق كي ينفعهم هذا في أوقات لحر.. و يقيهم ذاك من برد الشتاء..
واحتاجوا إلي الآذان .. فبنوا المآذن و رفعوها وزخرفوها ..
وهكذا كان جمال الظاهر الذي يأسر العيون .. تبع لجمال الباطن الذي يأسر القلوب والألباب..
أما في حال الكنائس فالأمر مختلف..
فكنائس أوروبا الشاهقة التي بنيت في القرون السادس عشر و السابع عشر و الثامن عشر إنما بنيت في وقت كان الناس قد انصرفوا عن الكنائس و كانت الكنيسة تتحكم في سائر أحوال الناس الدينية و المدنية و الإجتماعية و الإقتصادية.. فلما رأي الرهبان هذا الإنصراف بالغوا في تزيين الكنائس بأنواع الزينة و الألوان والمنحوتات حتي يجذبوا إليها قلوب الأوروبيين..
فأرادوا أن يجعلوا جمال الباطن .. تبع لجمال الظاهر..

وإنك تحس هذا اذا تأملت في آثار المسلمين و النصاري في أشبيلية.. الكنائس تأسر الأبصار بارتفاعها الشاهة و الذهب الموجود في كل مكان فيها.. والمساجد والقصور الإسلامية تأسر العيون أيضا ولكنها تأسر القلب و العقل..
فالكنائس فيها جمال ابهار.. و المساجد فيها جمال اعتبار..
والله لقد أحسست بما أقول... وأحسست أن الجميع يحس بما أقول حتي من الأسبان و إن لم يعبّروا عنه كما عبرت..

زادنا الله جمالا..

2 comments:

  1. الله الله عليك يا أبو حميد
    اللهم صل على النبي
    ايه الجمال والروعة ده
    والله لقد رفرفت بي في سماء المعاني، عبر أجنحة المباني
    أسعدك الله وحلاّك بحلل البهاء والجمال دنيا وأخرى

    ReplyDelete
  2. بتخلليني افكر ..
    حقيقي لغتك جميلة جدا

    ReplyDelete