Saturday, December 12, 2009

رفقتا بتاريخنا..



أنا الآن في القصبة الحمراء.. القلعة العسكرية التي بناها بنو الأحمر ملوك غرناطة..

إن مملكة غرناطة التي فتحها طارق بن زياد في اسبوعين.. ظلت أربع ممالك صليبية تجهد نفسها أن تحتلها و ترسل إليها الجيش تلو الجيش لمدة مائتين و خمسين سنة فلا يستطيعون فتحها!!

وبعد ذلك نقول أن المسلمين قد ضيعوا الأندلس و تركوها..

لا و الله ما تركوها.. لقد جهدوا جهدهم.. وناضلوا و تحملوا ما لا تحتمله الجبال الرواسي.. ملوكا و شعوبا.. حكّاما و محكومين.. وإن كانوا قد هُزموا ولكنهم هزموا و هم علي جيادهم وصدورهم تجاه أعدائهم..

لقد دافع أجدادنا عن هذه الأرض حتي آخر رمق.. ثم ناضل الموريسكسون المسلمون بعد ذلك مائة وعشرين عاما بعد سقوط غرناطة .. كانوا يقتلون كل يوم فلا يردهم ذلك عن دينهم.. وظلوا علي دينهم ما بين ثورة و إسرار.. حتي تم طردهم نهائيا عام 1609.. وظلوا رجالا مؤمنين ما مسهم نصبٌ ولا وصب..

إن تاريخنا ليس تاريخ ملائكة.. وليس تاريخ شياطين.. ولكنه تاريخ بشرٍ بما للبشر من أطماع و أهواء.. هذبها الإسلام ولكن ظل الإنسان بين لمة الملك ولمة الشيطان.. نحن ظلمناهم حينما اعتبرناهم ملائكة.. وبخسناهم حينما جعلناهم شياطين..

حتي الفترات القاتمة من التاريخ لم تخلو من ومضات النور.. ففي جل ما كان ملوك الطوائف يحاربون بعضهم بعضا.. كان ازدهار العلوم و المدارس الإسلامية و الشعر الأندلس في أوجه.. وكان تنافسهم السياسي سببا في أنهم تنافسوا أيضا في العلوم و الآداب.. فقدموا لمسيرة الحضارة الإنسانية آلافا من الفلاسفة و المشايخ و العلماء و الأدباء..

في الوقت الذي استعان فيه ملك طليطلة المأمون بألفونسو السادس ليستقوي به علي المسلمين في أشبيلية.. كانت طليطلة, مملكته, قبلة الفلكيين في العالم.. وكانت منارة عالية يستطلع منها العوالم السماوية و يجتمع فيها كل من رام هذا الفنّ..

إن تاريخ أوروبا فيه من الخيانة و الظلم و التعذيب و العنف الديني و التعصب و اللامساواة ما تنوء به الجبال .. ومع ذلك فقد تصالحوا مع تاريخهم و مجّدوا ملوكهم..

حتي أمريكا التي لا تاريخ لها أصلا.. فقد تمثّلت في أناس ماتوا من مائتي سنة -و ما فعلوا إلا أن أبادوا شعبا و حلّوا مكانه- جدودا خالدين و سلفا مشرّفا..

ونحن كان لنا أجدادٌ أتاهم المجد يخفض هامته.. وقد نشروا الدين في قلوب الملايين من جاوا و أندونيسيا إلي فرنسا وأسبانيا.. وفعلوا ما عجب منه الزمان.. ثم نحن نبخس حقهم و نجهلهم.. ما نظن بأنفسنا نفعل إن كنا مكانهم.. وعانينا ما عانوا..

رحمهم الله وغفر لهم.. كانوا بشرا .. مخطئون أحيانا .. ولكنهم عظماء

No comments:

Post a Comment