لاهاي الخضراء..

أنا الآن في القطار الذي ينقلني من لاهاي (أو: هيج) إلي أمستردام..

قابلت صديقي في الصباح وقضينا وقتا رائعا بين الحدائق الخضراء و مجاري المياه.. الطبيعة هنا خلابة .. والمدينة هادئة قليلة الكثافة السكانية..

الحق أن كل من قابلناه هنا كان مبتسما.. عاملة التذاكر.. الرجل الذي كان يجري مع كلبه في الحديقة.. المرأة التي طلبنا منها أن تأخذ لنا صورة معا عند بحيرة الماء... وكأن في الجو نوع سعادةٍ وراحةٍ يغمر الجميع.. حياة رغدة يطمئن فيها الناس إلي معايشهم فيهنئون –ربما- بطيب العيش..

لا يمكن تصور الفرق بين تلك المدينة التي أنا فيها الآن وبين القاهرة.. لا وجه للمقارنة أصلا.. أنا لا أحب الإنبهار, ولكن الفارق فعلا شاسع بشكل لا يمكن تخيله.. البيوت هنا صغيرة و حولها مروج خضراء تحيطها من كل مكان.. الطرق سهلة ممهدة وفارغة.. هناك أماكن كثيرة عند البحيرات و الحدائق للإختلاء بالنفس والتفكر في عجيب صنع الله.. الأمور مرتبة بشكل يرفع عن كاهل الإنسان كثيرا من الأعباء.. هناك مساحة هنا للتفكير ولا شك

من ذاق عرف..

أقول:إن إنسانا يتنفس عوادم السيارات في بلادنا.. و يفقد ثلاث أرباع أعصابه في زحام الطرق.. ولا يري منظرا يسرّ.. ويجري نهاره كادحا من أجل أن يؤمّن لنفسه ولأهل بيته معايشهم وهو ظانّ أن الأرزاق محدودة فإن غفل هو سيأخذ غيره ذاك الرزق.. فهو في سباق دائم و ضنك مستمر.. هل يمكن أن ننتظر منه مثلما ننتظر من إنسان يعيش في تلك المدينة الحديقة.. أو الحديقة المدينة.. لاهاي

إن من يظن أنّه فقط بمجرد عودة الناس إلي شعائر العبادات ستنصلح أحوال الناس هكذا بين يوم وليلة هو إنسان جاهل مفسد مُضلّ.. ما هكذا تورد الإبل.. إن هذا إختزال غريب للعديد من سنن الله التي يجري عليها كونه...

قال الله تعالي: "الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة".. ولم يقل: "الذين إن أقاموا الصلاة مكّنّاهم في الأرض"

رحم الله حجة الإسلام الغزالي.. كان يقول: "ولا صلاح للدين إلا بصلاح الدنيا".. فتأمّل

تحرك القطار.. أنتظر أمستردام