أنا الآن في الطائرة التي سوف تقلني ثانية إلي القاهرة..
منذ ستمائة عام.. عاد مركب صغير يحمل رجلا و مرأة .. وبعض أهلهما.. أما الرجل فكان أبو عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس.. والمرأة هي أمه.. وحينما نظر أبو عبد الله من سفينته إلي مجد آباءه و قد تغلّب عليه فرديناند و إيزابيلا.. ذرفت عيناه بدموع حارقة..
فما كان من أمّه إلا أن قالت له بضع كلمات .. هي ألف سوط من العذاب إن قيست بمقياس العذاب.. قالت:
ابك مثل النساء ملكا مُضاعا
لم تحافظ عليه مثل الرجال
تذكرت هذا الأمر وأنا عائد من الأندلس.. وساءلت نفسي : هل لابد أن نبكي الآن علي هذه الأرض الحبيبة السليبة..
فكان أن خففت من وجدي ببعض الأفكار..
أقول.. إننا لا ينبغي أن نبكي الآن مثل النساء..
إذ أن الرجال تعنيهم العبرة.. وإن أخذنا عبرتنا من الأندلس, واستشرفنا في ضوءها حاضرنا و مستقبلنا.. لن تكون الأندلس قد ضاعت و إنما بقيت..
لئن جهدنا جهدنا في إيصال رسالة الإسلام و أنوار محمد إلي قلوب أهل أسبانيا و العالم من وراءها.. فلن تكن الأندلس قد ضاعت.. وإنما نكون زرعنا أندلسا في كل قلب..
وما كان ينفعنا كثير نفعٍ إن ظلت الأندلس مثلما ظلت بقية أوطاننا ولم نؤدي من خلالها مهمتنا الحضارية و رسالتنا الدينية ..
لقد بقيت الأندلس بعلمائها وتراثها و ثقافتها و آدابها لنتعلم من ذلك كله دروسا.. إن تعلمناها فلن نحتاج إلي دموع أبي عبد الله الصغير.. وإن لم نتعلمها فلن تنفعنا دموعه..
انتهت الرحلة
وانتهي بذلك دور هذه المدونة..
والسلام عليكم
No comments:
Post a Comment